14 - 06 - 2025

عاصفة بوح| قانون سي السيد والست أمينة

عاصفة بوح| قانون سي السيد والست أمينة

هو قانون سي السيد والست أمينة فعلا الذى تصورنا أنه عصر واندثر.. لنموذج يثير الرثاء والسخرية معا. 

العقود مرت والدنيا تبدلت وتبوأت المرأة مكانتها التى كفله لها الدين والإنسانية، أصبحنا نعيش واقعا مرضيا إلى حد ما، وأصبحت اليوم وزيرة وسفيرة وفي مناصب أخرى تشهد لها بالكفاءة والتميز.. ولكن كل ما سبق لم يشفع لها عند الوهابيين والسلفيين، خوارج العصر ومصيبته، فلبدوا لها في الدرة وفاجأونا بمشروع قانون، يحتقر المرأة كإنسانة ويفقدها أهليتها القانونية ويحرمها من حقوق قانونية سابقة استقر عليها المجتمع، ومع ذلك مازال المتحرشون قانونيا واجتماعيا وثقافيا يستهدفون المرأة فى أهم ما تملك..  حياتها العائلية!

هذا القانون العار  فى مجمله، ينزع عن المرأة أي ولاية قانونية لها على نفسها فى الزواج، أو فى حياة أطفالها، فهى مجرد مفرخة لأطفال على حد قول الأستاذة نهاد ابى القمصان التى كانت أول من أشار ورفع الستار عن هذا المشروع المهين الذي يرقى إلى جريمة، وقامت مشكورة بنشره على السوشيال ميديا، هذا القانون يعود بنا إلى عصر الجواري، لو لم ننتبه لخطورته ونتحد لإلغائه!       

يمنع هذا القانون أي فتاة, لم يسبق لها الزواج أن تزوج نفسها، حتى  لو وصلت لسن الأربعين أو إلى أعلى المناصب والتي بمقتضاها تستطيع نيابة عن الدولة أن توقع على عقود بمئات الملايين، ولكنها لا تستطيع أن توقع على عقد زواجها. 

منتهى التحرش بحريتها وأهليتها القانونية، الحالة الوحيدة أو التجربة الوحيدة المعترفة منهم بها - فى نظرهم - هى تجربة سابقة للزواج، عندئذ فقط تستطيع ان تزوج نفسها. 

يستند القانون على مذهب أبي حنيفة دون غيره من المذاهب، مع احترامنا له ولفقهه الذي عكس عصره، لا اعرف لماذا دون غيره؟.. فاختلاف الفقهاء رحمة ومنهم من وضح له منهج تغير الفقه باختلاف الزمان والمكان، كما فعل الشافعي عندما غير فقهه عندما انتقل من العراق لمصر.

لماذا نضيق على أنفسنا ولا نجتهد لفقه يناسب للعصر، كما فعل الشافعي؟ أجهل منا أم تكاسل وضعف؟

الكارثة والإهانة الحقيقية أنه بمقتضى هذا القانون، يمكن لأي ذكر من العائلة أن يفسخ زواج الابنة أو الاخت أو بنت العم، إذا لم يقتنع سيادته بالعريس، أو قدر أن دمه ثقيل على قلبه أو شكله ليس على مواصفات يرضاها، أو رأى أنه أقل مرتبة اجتماعية حتى لو كان حاصلا  على أعلى الشهادات والمناصب، لأن سيادته يعيش فى عصر أفندينا!

فالنساء فى هذا  القانون حريم مهما ارتفع  شأنهم، هكذا يراها السلفيون والوهابيون والمضحك المبكي أن دولة عربية تمثل معقل الوهابية تتراجع عن تزمتها وغلوها، وتقدم مشروع قانون يرفع الظلم عن نسائها.. وينص ألا يتم الطلاق إلا أمام القاضي، حتى يغلقوا الطريق على كثير من المآسي والكوارث التى تحدث نتيجة غياب ضمير الزوج فى كثير من الأحيان! أم نحن فى مصر أم الدنيا، فلا نستطيع!

أما كارثة الكوارث والتى تصورنا تصحيحها فى القانون الجديد، هو إعادة الأهلية القانونية للمرأة على أولادها، فإذا سافر الزوج لا تستطيع المرأة أن توقع على إجراء عملية لطفلها، إنما عليها فى وقت الخطر أن تبحث عن رجل من عائلة زوجها سريعا.

يمكن أن تكون أمه؟ لكنها مجرد خادمة، تخدم وتأكل, تُدَرِّس وتربي وتوجِّه وتشارك فى الإنفاق أو تتولى وحدها مسؤولية الإنفاق بعد هروب  الأب منها، ومع ذلك يقال لها أنت حرمة لا أهلية قانونية لك على طفلك، لا تستطيعين إصدار بطاقة شخصية ولا باسبور، لا تستطيعين حتى أن تسحبي ورقة من المدرسة أو تحوليه لمدرسة أخرى أو تسجيل مولود جديد حتى لو كان الزوج مسافرا.

إذا كان متوفيا أيضا لا تستطيعين، لابد من وجود ذكر من عائلته، ولو تعنتوا.. موت يا حمار، ارفعى قضية.. ويمكن أن يتعمدوا عدم التسجيل حتى يحرم من الميراث لو مات ضميرهم، والمحاكم تشهد بتك المآسي، فليس خيالا مريضا للزوجات والأمهات!

تطرد الأم وأطفالها من منزل الزوجية، وبعد تحويل النزاع حول ممتلكات الزوجية من محكمة الجنح لمحكمة الأسرة، رغم أن تلك المحكم كانت ضمانة وورقة ضغط للزوجة حتى لا يبدد الزوج منقولاتها.. وتظل الزوجة تجرى وراء النفقة سنة وأكثر وعليها هى فقط إثبات دخله، مع أنه يوجد مايسمى الكشف الإلكترونى عن الدخل أو أي معلومات تتعلق بالزوج، تستطيع أي جهات أمنية توفيرها، فلهم أرشيفهم الخاص!

و نزيدكم من الشعر بيتا؟ 

إذا كره أهل الزوج الزوجة، وكان زوجها فى الخارج من الممكن أن يمنع سفرها ويعرقله، هكذا بمنتهى البساطة. 

أما البند الإيجابى الوحيد، فهو النص الذى يعاقب من يتزوج على زوجته دون علمها، بالحبس والغرامة، وإذا صممت على الطلاق فيكون للضرر وتنال حقوق طلاق الضرر!

هنا هاج وماج المتنطعون، بزعم الحق والشرع، ولن أدخل فى تفاصيل الشرع لأن القرآن يقول: "وإن لم تعدلوا فواحدة"، إنما اقول ولم الكذب والإخفاء لتفاجأ الزوجة بوجود أشقاء وشقيقات لأولادها لاتعرف عنهم شيئا.

ولكن على مين؟ وقف محامي متنطع يصرخ بأعلى صوته: حقنا وعندنا فحولة زائدة، ونتزوج فى السر لنحافظ على مشاعرها، والعجيب أننا لم نسمع من مشجعى التعدد أنهم فعلوها طلبا للذرية، إنما للمتعة الخالصة، شهور ومع السلامة.. اللى بعدها، هذا هو شرع الله من التعدد؟

الدول تتقدم علينا بقوانين الأحوال الشخصية، ونحن للخلف در.. أين ريادتنا في كل المجالات؟ ولماذا تتراجع الدولة أمام سطوة السلفيين والوهابيين؟ نحن فى ظهركم، افتحوا الطريق لنور الله أن يدخل حياتنا.. لعدله، لشريعته التى تنظم حياتنا من كتابه وليس من خزعبلات المتنطعين والمتجرئين على كتاب الله.

لاتعطوا قبلة الحياة لقانون يعيد قبضة السلفيين والاخوان على حياتنا، بعدما ثرنا عليهم وقضضنا غزلهم، وقتما تصوروا بقاءهم 500 سنة قادمة، ارفضوا قانون الظلم، ارفضوا قانون سي السيد!
-------------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
المقال منشور في العدد الأسبوعي

؟

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة